فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

فإن قلت: كيف جاز أن يشار به إلى مؤنثين، وإنما هو لإشارة المذكر؟
قلت: لأنه في تأويل ما ذكر وما تقدم، وقال: وقد يجرى الضمير مجرى اسم الإشارة في هذا، قال أبو عبيدة: قلت لرؤبة في قوله: الرجز::
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ ** كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ

إن أردت الخطوط فقل: كأنها، وإن أردت السواد والبَلَق فقل: كأنهما، فقال: أردتُ: ذَاكَ وَلِكَ.
والذي حسن منه أن أسماء الإشارة تثنيتها، وجمعها، وتأنيثهما ليست على الحقيقة، وكذلك الموصولات، ولذلك جاء الذي بمعنى الجمع واحتج بعض العلماء بقوله: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} على جواز الاجتهاد، واستعمال غلبة النَّص في الأحكام، إذ لا يعلم أنها بين الفَارِض والبِكْر إلا من طريق الاجتهاد.
قوله: {مَا تُؤْمَرونَ} {ما} موصولة بمعنى الذي، والعائد محذوف تقديره: تؤمرون به، فحذفت الباء، وهو حذف مطرد، فاتصل الضمير فحذفت الهاء، وليس هو نظير: {كالذي خاضوا} [التوبة: 69] فإن الحذف هناك غير مقيس.
ويضعف أن تكون {ما} نكرة موصوفة.
قال أبو البقاء: لأن المعنى على العموم، وهو بالذي أشبه، ويجوز أن تكون مصدرية أي: أمركم بمعنى مأموركم، تسمية للمفعول بالمصدر كضَرْب الأمير قاله الزمخشري.
و{تؤمرون} مبني للمفعول، والواو قائم مقام الفاعل، ولا محلّ لهذه الجملة لوقوعها صلة. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (69):

قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{قال} وأكد لما مضى من تلددهم فقال: {إنه يقول} وأكد إشارة إلى مزيد تعنتهم فقال: {إنها بقرة صفراء} وأكد شدة صفرتها بالعدول عن فاقعة إلى قوله معبرًا باللون {فاقع لونها} أي خالص في صفرته.
قال الحرالي: نعت تخليص للون الأصفر بمنزلة قانئ في الأحمر فهي إذن متوسطة اللون بين الأسود والأبيض كما كانت متوسطة السن، {تسر الناظرين} أي تبهج نفوسهم بأنك إذا نظرت إليها خيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها- قاله وهب. اهـ.

.قال الفخر:

ثم إنه تعالى حكى سؤالهم الثاني وهو قوله تعالى: {قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا} واعلم أنهم لما عرفوا حال السن شرعوا بعده في تعرف حال اللون فأجابهم الله تعالى بأنها: {صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا}، والفقوع أشدها يكون من الصفرة وأنصعه، يقال في التوكيد أصفر فاقع وأسود حالك وأبيض يقق وأحمر قانٍ وأخضر ناضر، وههنا سؤالان:
الأول: {فاقع} هاهنا واقع خبرًا عن اللون فكيف يقع تأكيدًا لصفراء؟ الجواب: لم يقع خبرًا عن اللون إنما وقع تأكيدًا لصفراء إلا أنه ارتفع اللون به ارتفاع الفاعل واللون سببها وملتبس بها، فلم يكن فرق بين قولك: صفراء فاقعة وصفراء فاقع لونها.
السؤال الثاني: فهلا قيل صفراء فاقعة وأي فائدة في ذكر اللون؟ الجواب: الفائدة فيه التوكيد لأن اللون اسم للهيئة وهي الصفرة، فكأنه قيل شديدة الصفرة صفرتها فهو من قولك: جد جده وجنون مجنون.
وعن وهب: إذ نظرت إليها خيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها.
أما قوله تعالى: {تَسُرُّ الناظرين} فالمعنى أن هذه البقرة لحسن لونها تسر من نظر إليها، قال الحسن: الصفراء هاهنا بمعنى السوداء، لأن العرب تسمي الأسود أصفر، نظيره قوله تعالى في صفة الدخان: {كَأَنَّهُ جمالة صُفْرٌ} [المرسلات: 33] أي سود، واعترضوا على هذا التأويل بأن الأصفر لا يفهم منه الأسود ألبتة، فلم يكن حقيقة فيه، وأيضًا السواد لا ينعت بالفقوع، إنما يقال: أصفر فاقع وأسود حالك والله أعلم، وأما السرور فإنه حالة نفسانية تعرض عند حصول اعتقاد أو علم أو ظن بحصول شيء لذيذ أو نافع. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ} حُكِيَ عن الحسن البصري، أن المراد بقوله صفراء، أي سوداء شديدة السواد، كما تقول العرب: ناقة صفراء أي سوداء، ومنه قول الشاعر:
تلك خيلي منه وتلك ركابي ** هُنّ صفر أولادها كالزبيب

وقال الراجز:
وصفرٍ ليست بمصفرّة ** ولكنّ سوداءَ مثل الخُمُر

وقال سائر المفسرين: إنها صفراء اللون، من الصفرة المعروفة، وهو أصح، لأنه الظاهر، ولأنه قال: {فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} والفاقع من صفات الصفرة، وليس يوصف السواد بذلك، وإنما يقال: أسود حالكٌ، وأحمر قانٍ، وأبيضُ ناصعٌ، وأخضرُ ناضرٌ، وأصفرُ فاقعٌ.
ثم فيما أُرِيدَ بالصفرة قولان:
أحدهما: صفراء القرن والظلف، وهو قول سعيد بن جبير.
والثاني: صفراء اللون كله، وهذا قول مجاهد.
وفي قوله تعالى: {فاقع لونها} ثلاثة تأويلات:
أحدها: الشديدة الصفرة، وهذا قول ابن عباس، والحسن.
والثاني: الخالص الصفرة، وهذا قول قطرب.
والثالث: الصافي، وهذا قول أبي العالية، وقتادة.
{تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: تعجب الناظرين بصفرتها، فتعجب بالسرور، وهو ما يتأثر به القلب، والفرح ما فرحت به العين، ويحتمل قوله: {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} وجهين:
أحدهما: بحسن لونها فتكون.... لصفرتها.
والثاني: حسن سمتها، وصفت بذلك، ليكون ذلك زيادة شرط في صفتها، غير ما تقدم من ذكر صفرتها، فتصير البقرة على الوجه الأول، ذات وصف واحد، وعلى الوجه الثاني، ذات وصفين. اهـ.

.قال الألوسي:

إسناد البيان في كل مرة إلى الله عز وجل لإظهار كمال المساعدة في إجابة مسئولهم وصيغة الاستقبال لاستخضار الصورة والفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأبلغه والموصف به للتأكيد كأمس الدابر وكذا في قولهم أبيض ناصع، وأسود حالك، وأحمر قان، وأخضر ناضر، و{لونها} مرفوع بفاقع ولم يكتف بقوله صفراء فاقعة لأنه أراد تأكيد نسبة الصفرة فحكم عليها أنها صفراء ثم حكم على اللون أنه شديد الصفرة فابتدأ أولًا بوصف البقرة بالصفرة ثم أكد ذلك بوصف اللون بها فكأنه قال: هي صفراء ولونها شديد الصفرة، وعن الحسن سوداء شديدة السواد ولا يخفى أنه خلاف الظاهر لأن الصفرة وإن استعملها العرب بهذا المعنى نادرًا كما أطلقوا الأسود على الأخضر لكنه في الإبل خاصة على ما قيل في قوله تعالى: {جمالة صُفْرٌ} [المراسلات: 33] لأن سواد الإبل تشوبه صفرة وتأكيده بالفقوع ينافيه لأنه من وصف الصفرة في المشهور، نعم ذكر في اللمع أنه يقال: أصفر فاقع، وأحمر فاقع، ويقال: في الألوان كلها فاقع وناصع إذا أخلصت فعليه لا يرد ما ذكر، ومن الناس من قال: إن الصفرة استعيرت هنا للسواد، وكذا فاقع لشديد السواد وهو ترشيح ويجعل سواده من جهة البريق واللمعان وليس بشيء، وجوز بعضهم أن يكون {لونها} مبتدأ وخبره إما {فاقع} أو الجملة بعده، والتأنيث على أحد معنيين، أحدهما: لكونه أضيف إلى مؤنث كما قالوا: ذهبت بعض أصابعه؛ والثاني: أنه يراد به المؤنث إذ هو الصفرة فكأنه قال: صفرتها تسر الناظرين ولا يخفى بعد ذلك.
والسرور أصله لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه أو رؤية أمر معجب رائق، وأما نفسه فانشراح مستبطن فيه وبين السرور، والحبور، والفرح تقارب لكن السرور هو الخالص المنكتم سمي بذلك اعتبارًا بالاسرار، والحبور ما يرى حبره أي أثره في ظاهر البشرة وهما يستعملان في المحمود.
وأما الفرح فما يحصل بطرًا وأشرًا ولذلك كثيرًا ما يذم كما قال تعالى: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} [القصص: 6 7] والمراد به هنا عند بعض الإعجاب مجازًا للزومه له غالبًا، والجملة صفة البقرة أي تعجب الناظرين إليها.
وجمهور المفسرين يشيرون إلى أن الصفرة من الألوان السارة ولهذا كان علي كرم الله تعالى وجهه يرغب في النعال الصفر ويقول من لبس نعلًا أصفر قل همه، ونهى ابن الزبير ويحيى بن أبي كثير عن لباس النعال السود لأنها تغم، وقرئ: {يَسُرُّ} بالياء فيحتمل أن يكون {لونها} مبتدأ ويسر خبره ويكون {فاقع} صفة تابعة لصفراء على حد قوله:
وإني لأسقي الشرف صفراء فاقعا ** كأن ذكى المسك فيها يفتق

إلا أنه قليل حتى قيل: بابه الشعر، ويحتمل أن يكون لونها فاعلًا بفاقع ويسر إخبار مستأنف. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}.
سألوا بما عن ماهية اللون وجنسه لأنه ثاني شيء تتعلق به أغراض الراغبين في الحيوان.
والقول في جزم: {يبين} وفي تأكيد {إنه يقول إنها بقرة} كالقول في الذي تقدم.
وقوله: {صفراء فاقع لونها} احتيج إلى تأكيد الصفرة بالفقوع وهو شدة الصفرة لأن صفرة البقر تقرب من الحمرة غالبًا فأكده بفاقع والفقوع خاص بالصفرة، كما اختص الأحمر بقان والأسود بحالك، والأبيض بيقق، والأخضر بمدهامّ، والأورق بخطباني نسبة إلى الخطبان بضم الخاء وهو نبت كالهليون، والأرمك وهو الذي لونه لون الرماد بُردَاني براء في أوله والردان الزعفران كذا في الطيبي ووقع في (الكشاف) والطيبي بألف بعد الدال ووقع في (القاموس) أنه بوزن صاحب وضبط الراء في نسخة من (الكشاف) ونسخة من حاشية القطب عليه ونسخة من حاشية الهمداني عليه بشكل ضمة على الراء وهو مخالف لما في (القاموس).
والنصوع يعم جميع الألوان، وهوخلوص اللون من أن يخالطه لون آخر.
ولونها إما فاعل بفاقع أو مبتدأ مؤخر وإضافته لضمير البقرة دلت على أنه اللون الأصفر فكان وصفه بفاقع وصفًا حقيقيًا ولكن عدل عن أن يقال صفراء فاقعة إلى {صفراء فاقع لونها} ليحصل وصفها بالفقوع مرتين إذ وُصف اللون بالفقوع، ثم لما كان اللون مضافًا لضمير الصفراء كان ما يجري عليه من الأوصاف جاريًا على سببيه على نحوما قاله صاحب (المفتاح) في كون المسند فعلًا من أن الفعل يستند إلى الضمير ابتداء ثم بواسطة عود ذلك الضمير إلى المبتدأ يستند إلى المبتدأ في الدرجة الثانية وقد ظن الطيبي في (شرح الكشاف) أن كلام صاحب (الكشاف) مشير إلى أن إسناد {فاقع} للونها مجاز عقلي وهو وهم إذ ليس من المجاز العقلي في شيء.
وأما تمثيل صاحب (الكشاف) بقوله جد جده فهو تنظير في مجرد إفادة التأكيد.
وقوله: {تسر الناظرين} أي تُدخل رؤيتها عليهم مسرة في نفوسهم، والمسرة لذة نفسية تنشأ عن الإحساس بالملائم أو عن اعتقاد حصوله ومما يوجبها التعجب من الشيء والإعجاب به.
وهذا اللون من أحسن ألوان البقر فلذلك أسند فعل {تسر} إلى ضمير البقرة لا إلى ضمير اللون فلا يقتضي أن لون الأصفر مما يسر الناظرين مطلقًا.
والتعبير بالناظرين دون الناس ونحوه للإشارة إلى أن المسرة تدخل عليهم عند النظر إليها من باب استفادة التعليل من التعليق بالمشتق. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فَاقِعٌ لَّوْنُهَا}.
لم يقل فاقعة مع أنّه من صفة البقرة جعلوه مبالغة مثل: جدّ جدّه، وجعله الطيبي مجازا، ورده ابن عرفة بأنه آكد، والتأكيد ينافي المجاز ألا ترى أن أهل السنة استدلّوا على وقوع الكلام من الله لموسى بقوله تعالى: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} لأنه مؤكد بالمصدر والتأكيد ينفي المجاز.
ذكره الإمام المازري في شرح التلقين في كتاب الطهارة في قوله: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)}.
بحثوا عن سؤال آخر: ما لونها؟ كأن الله تبارك وتعالى حين حدثهم عن السن فتحوا الأبواب ليسألوا ما لونها؟ مع أنه سبحانه وتعالى قال لهم: {فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ}.. فلم يفعلوا بل سألوا ما لونها؟ {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ} والصفرة لون من الألوان.. ثم قال جل جلاله: {فَاقِعٌ لَّوْنُهَا}.. يعني صفرة شديدة.. ثم قال: {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}.. يعني أن كل من ينظر إليها يُسر لنضارتها ونظافتها وحسن مظهرها وتناسق جسدها.
وصف البقرة بأنها صفراء هذا لون معروف.. وفي الألوان لا يمكن أن تحدد لونا إلا برؤيته.. ولذلك فإن المحسَّات في الألوان لابد أن تسبق معرفتها وبعد ذلك تأتي باللون المطلوب.. لذلك لا يقال صفراء فقط لأنك لا تستطيع تحديده؛ لأن اللون الأصفر له درجات لا نهاية لها.. ومزج الألوان يعطيك عددًا لا نهائيا من درجاتها.. ولذلك فإن المشتغلين بدهان المنازل لا يستطيعون أن يقوموا بدهان شقة بلون إلا إذا قام بعمل مزيج اللون كله مرة واحدة.. حتى يخرج الدهان كله بدرجة واحدة من اللون.. ولكن إذا طلبت منه أن يدهن الشقة باللون نفسه.. بشرط أن يدهن حجرة واحدة كل يوم فإنه لا يستطيع.. فإذا سمعت صفراء يأتي اللون الأصفر إلى ذهنك.. فإذا سمعت {فاقع} فكل لون من الألوان له وصف يناسبه يعطينا دقة اللون المطلوب.
{فاقع} أي شديد الصفرة.
أظن أن المسألة قد أصبحت واضحة.. إنها بقرة لونها أصفر فاقع تسر الناظرين.. وكان من المفروض أن يكتفي بنو إسرائيل بذلك ولكنهم عادوا إلى السؤال مرة أخرى. اهـ.